في عالم تُسيطر عليه وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام بشكل عام، أصبحت معايير الجمال جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. المسلسلات والأفلام والإعلانات ترسم لنا صورة نمطية للشخص الرشيق، مما يجعل الكثيرين يشعرون بالضغوط الاجتماعية من أجل تحقيق تلك الصورة.
الكثير من الأشخاص الذين يعانون من زيادة في الوزن، يشعرون بالضغط من كل جانب؛ العائلة، والأصدقاء، وحتى زملاء العمل الذين يرون أن النجاح مرتبط بالمظهر.
يوميًا، يتعرض هؤلاء لصور مثالية على شاشات الهواتف والتلفاز، إذ تبدو حياة الأبطال والبطلات كاملة بفضل مظهرهم. في كل إعلان وحملة دعائية تتكرر الرسالة ذاتها: “الرشاقة هي سر السعادة”. هذا الأمر يدخلهم في دوامة من الشك الذاتي، مما يدفعهم للسعي الحثيث إلى خسارة الوزن.
مع الوقت، يصبح هؤلاء ضحايا لهوس التخسيس في رحلة البحث عن القبول والاعتراف، بين الحميات الغذائية الصارمة والتمارين المرهقة، وأحيانا علاجات غير مخصصة لحالاتهم وقد تؤثر مستقبلا على صحتهم، مثل حقن المونجارو مثلا، وربما يلجأون لجراحات لشفط الدهون أو تكميم المعدة أو غيرها.. يفعلون كل ذلك ويهملون صحتهم النفسية والجسدية، غافلين عن الخطر الحقيقي الذي يحيط بهم.
السمنة في العالم.. واقع مرير
إحصائيات منظمة الصحة العالمية تكشف عن واقع مرير لعدد المصابين بزيادة الوزن والسمنة حول العالم. ويجب التنويه أولاً إلى أن البالغ يعاني من زيادة الوزن إذا كانت قيمة مؤشر كتلة جسمه أكبر من 25 أو تساويه؛ بينما يتحول الأمر إلى السمنة إذا زاد الرقم إلى 30 أو أكثر.
وحسب المنظمة فإنه في عام 2022، كان هناك 2.5 مليار شخص بالغ يعانون من زيادة الوزن، منهم 890 مليون شخص من المتعايشين مع السمنة. ويعادل ذلك نسبة 43% من البالغين بعمر 18 عاماً فما فوق ممّن يعانون من زيادة الوزن؛ وهي زيادة عمّا كانت عليه معدلاتها في عام 1990 الذي بلغت فيه معاناة البالغين بعمر 18 عاماً فما فوق من زيادة الوزن نسبة 25%.
خريطة تفاعلية من منظمة “Our World in Data”توضح عدد نسبة الوفيات الناجمة عن السمنة.. 2021
وفي عام 2022، كانت هناك نسبة 16% تقريباً من البالغين بعمر 18 عاماً فما فوق يعانون من السمنة في جميع أنحاء العالم. وأشارت التقديرات إلى معاناة نحو 37 مليون طفل دون الخامسة من زيادة الوزن، نصفهم في آسيا، فضلا عن معاناة أكثر من 390 مليون طفل ومراهق تتراوح أعمارهم بين 5 أعوام و19 عاماً من زيادة الوزن.
ما أسباب زيادة الوزن والسمنة؟
تنجم زيادة الوزن والسمنة عن اختلال التوازن بين مدخول الطاقة (النظام الغذائي) وصرف الطاقة (النشاط البدني).
والسمنة في معظم الحالات هي مرض متعدد العوامل ناجم عن بيئات مسبّبة له، وعوامل نفسية واجتماعية ومتغيرات جينية. ويمكن تحديد العوامل الرئيسية المسبّبة للسمنة في مجموعة فرعية من المرضى (الأدوية، الأمراض، انعدام الحركة، الإجراءات العلاجية المنشأ، الأمراض الأحادية المنشأ/ المتلازمات الوراثية).
مخاطر هوس التخسيس على الصحة النفسية#صحةنفسية #هوس_التخسيس pic.twitter.com/f93cGbEWZ0
— هوس التخسيس (@fitfrenzyy) July 28, 2024
هوس التخسيس.. مخاطر نفسية وصحية
يؤدي التخسيس، كما السمنة، إلى مخاطر نفسية وصحية خطيرة، فبينما ترى منظمة الصحة العالمية أن السمنة في مرحلتي الطفولة والمراهقة تتسبب في عواقب نفسية واجتماعية ضارة؛ باعتبارها تؤثر على الأداء في المدرسة وعلى نوعية الحياة، وتزداد تعقيداً بتعرض الطفل للوصم والتمييز والتنمّر، فإن هوس التخسيس يؤدي لنتائج ليست أفضل كثيراً.
ويمكن أن تؤدي الأنظمة الغذائية القاسية إلى سوء التغذية، وضعف جهاز المناعة، ومشاكل في القلب. كما أن ممارسة التمارين الرياضية بشكل مفرط قد تسبب إصابات جسدية وإرهاقا.
وتحذر الدراسات من أن التركيز الزائد على فقدان الوزن يسهم في زيادة القلق والاكتئاب، وقد يعاني الأفراد من اضطرابات الأكل مثل فقدان الشهية العصبي أو الشره المرضي العصبي نتيجة الضغط المستمر للوصول إلى الوزن المثالي، بحسب مؤسسة الصحة العقلية الأمريكية.
إن فقدان الوزن يمكن أن يعزز الثقة بالنفس، لكنه قد يكون سيفًا ذا حدين، إذ يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالعزلة أو التركيز المفرط على المظهر الخارجي، بحسب عالمة النفس ستايسي روزنفيلد، مؤلفة كتاب “هل تعاني كل امرأة من اضطراب في الأكل؟”، لمجلة هيلث.
وعددت ستايسي روزنفيلد، وبعض المتخصصين في الطب النفسي، بعض العلامات التي قد تشير إلى أن عادات إنقاص الوزن قد تتجه نحو منطقة غير صحية، ومنها:
- أن تزن نفسك عدة مرات في اليوم، قبل وبعد تناول الطعام، أو تعديل طريقة وقوفك على الميزان لتعديل الأرقام.
- أن ترى أن النحافة هي الحل لجميع مشاكلك، مثل السكري أو السمنة أو انقطاع النفس أثناء النوم.
- أن ترى أطعمة معينة على أنها جيدة فقط (مثل البروكلي)، وأطعمة أخرى على أنها سيئة فقط (مثل البطاطس)، وهذا يمكن أن يكون علامة على التركيز الشديد على فقدان الوزن.
- أن تتجنب معظم الأطعمة، فأجسامنا مصممة للعمل على مجموعة متنوعة من العناصر الغذائية، وهذا يشمل الكربوهيدرات والدهون وكذلك البروتين والألياف.
- أن تتخطى المناسبات الاجتماعية.. سواء كنت خائفًا من الأكل والشرب، أو أن الناس سيعلقون بأنك لا تفعل ذلك، فإن عزل نفسك للتركيز على الأنشطة المتعلقة بفقدان الوزن هو علامة حمراء.
- أن يكون تمرينك الرياضي هو دائمًا أولويتك القصوى.
- المتابعة الدائمة لاتجاهات الحمية الغذائية.
- إهدار المزيد من الوقت في مراقبة السمات الجسدية للآخرين.
- الحرص على أكل الأطعمة العضوية طوال الوقت.
- السماح لوسائل التواصل الاجتماعي بتحديد مشاعرك تجاه صورتك.
- أن تحسب كل سعرة حرارية، مما يدفعك لاحقا لاختيار الأطعمة بناءً على قيمتها الحرارية فقط، متجاهلاً الفيتامينات والعناصر الغذائية المهمة وإحساسك بالرضا. وعليك التركيز على ملء نصف طبقك بالخضراوات والفواكه الكاملة، وربعه بالبروتين الخالي من الدهون مثل الدجاج أو السمك، وربعه بالحبوب الكاملة.
وفي هذه النقطة تقول روزنفيلد إن هناك خطاً رفيعاً بين حساب السعرات الحرارية والأفكار والمشاعر والسلوكيات المرتبطة باضطراب الأكل، وإنه “إذا كنت تعاني بالفعل من صعوبة تنظيم عاداتك الغذائية أو أفكارك، فمن الجيد أن ترفع تركيزك عن السعرات الحرارية”.
وفي النهاية، لا بأس من محاولة إنقاص الوزن، لكن ليس على حساب كل شيء آخر في حياتك. إذا كنت لا تزال تجد أنك تعاني من مشكلات تتعلق بتغيرات الوزن، فقد تجد أن التحدث مع مقدم خدمات الصحة العقلية ذي الخبرة في العمل مع العملاء الذين يعانون من مشكلات تتعلق بالوزن قد يحدد بعض الخيارات للمساعدة.